في نواكشوط، حضرت ذات مرة صلاة العشاء في مسجد مشهور بموقعه وإمامه، وبمحظرته سليلة أمها التاريخية ذائعة الصيت؛ ثم، وبعد الفراع من الصلاة، جلس الإمام لدرس الفقه، فتقدم “اظمين دولة الشيخ خليل” فقرأ من «قف» الولي، كتاب النكاح: «…وجبر المالك أمة وعبدا…ثم أب، وجبر المجنونة، والبكر ولو عانسا….. وجبر وصي أمره أب به أو عين له الزوج…».
تداخلت في نصوص الجبر استدراكات استثنت مالك البعض، والأنثى بشائبة حرية، ومدبرا مرض سيده، أو قرب أجله؛ قبل أن تتتابع قائمة الأولياء على الترتيب، وصولا إلى الموالى، حيث الخلاف في ولاية الأسفل في النكاح، وفي حد الكافل، ثم عرضت حالات غيبة الولي، مع تقديرها، زمانا ومكانا، حيث يلي الحاكم، أوعامة مسلم، وتوقف عند فرق ما بين الشريفة والدنيئة، حيث لكل قانونها..
تجاسرت فطرحت عددا من الأسئلة، لم تكن في حسبان الشيخ الإمام وتلامذته، كانت كالتالي:
1- ما المسوغ الديني لاجترار النوازل والقضايا والإشكالات والحلول الخاصة مجتمعات العبودية المنقرضة، في مجتمع رفع الله عنه مقتها..؟!
2- لم ندرس جملة الأحكام القائمة على افتراض غيبة الولي، مسافة ومكثا، رغم ثورة الاتصالات التي اختزلت الزمان والمكان، وجعلت الكوكب قرية واحدة..؟!
3- هناك حديث متكرر عن قانون تفرقة يتحدث عن الشريفة والدنيئة، ويجعل لكل حكمها، كيف تسوغون ذلك في الدين؟!
4- نعود منجبر المالك إلى جبر الأب ووصيه؛ أليس رأيا اجتهاديا يعوزه الدليل الحاسم، وجرى العمل بخلافه في جميع الأقطار اليوم، حيث تنص مدونات الأحوال الشخصية على شرط التراضي بين الزوجين، بلا إكراه؟!
سقط في أيدي الإمام الشيخ، واشتاط غضبا، ونظر شزرا، وأمر بعض طلبته بإخراج السائل من المسجد، فكان علي أن أتدبر أمري، وأخرج من بهدوء، إيثارا للسلامة؛ وهكذا نجوت بجلدي حنى لا تكون فتنة؛ لكن الأسئلة ما تزال معلقة، حول تدريس أحوال المجتمعات المنقرضة..
لم يكن الأمر سوى حالة تقليد أعمى لسلف غابر، قدم إلى ربه، وتبدلت بعده الأحوال والأوضاع، وانقلبت كل منقلب، فيما استمر خلفه عاكفا على عادات آبائه وتقاليدهم ونوازلهم ومصائبهم وحلولهم، معتبرا ذلك دينا يقرب إلى الله، لازم لكل الناس في كل العصور والظروف والأحوال..!!